Logo

منهج المؤلف في كتابه

منهج المصنف إجمالاً من خلال مقدمته:
من العوامل الهامة التي تساعد الباحث على معرفة الخطوط العريضة لمنهج المؤلف في كتابه هي ((مقدمة الكتاب)) خاصةً إذا أبان المؤلف فيها عن طريقته في كتابه، وخطته في ذلك، وسبب تأليفه لكتابه، ومصادره فيه. ثم يبدأ الباحث بعد ذلك بتفصيل هذا المنهج، من خلال البحث والتتبع والاستقراء، والمقارنة بين ما ذكره في المقدمة، وما قام به فعلًا في كتابه.
والثعلبي رحمه الله قدَّم لكتابه بمقدمة هامة، ذكر فيها المعالم الرئيسية لكتابه على النحو الآتي:
صدَّر المؤلف مقدمته بحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله ثم ذكر أهمية تدبر القرآن الكريم، وتفهم معانيه.
ثم ذكر نشأته وجدَّه واجتهاده في طلب العلم عمومًا، وعلم التفسير على وجه الخصوص.
أولا: أقسام المصنفين في التفسير:
ثم قسم الثعلبي المفسرين إلى ست فرق، هم:
أ‌- أهل البدع والأهواء.
مثل مفسَّري المعتزلة، كالبلخي، والجبائي، والأصفهاني، والرمَّاني.
وذكر أنَّنا مأمورون بمجانبة هؤلاء وترك مخاطبتهم.
والثعلبي قد ردَّ في كتابه على المعتزلة ودحض أقوالهم في مواطن كثيرة، كما سيأتي عند الكلام عن معتقده، ومنهجه في تقرير العقيدة، والرد على المخالفين.
ب- فرقة ألفوا فأحسنوا غير أنهم خلطوا أباطيل المبتدعين، بأقوال السلف الصالحين. كأبي بكر القفَّال، وأبي حامد المقرئ.
وقد اعتذر المؤلف لهؤلاء بعذرين:
1- أنَّ صنيعهم هذا ليس تعمدًا مقصودًا، بل هو غفلة وغِرَّة.
2- أنهم كانوا فقهاء، ولم يكونوا من العلماء المتخصصين في التفسير.
جـ- فرقة اقتصروا على الرواية والنقل، دون الدراية والنقد. مثل إسحاق بن راهويه، وأبي إسحاق الأنماطي.
وقد قال المؤلف في هؤلاء: بياع الدواء محتاج إلى الأطباء.
أي أن هؤلاء حملوا هذه المرويات وادوها كما سمعوها، وهذا صنيع عظيم منهم، وإن كانوا قد لا يحيطون بما يتعلق بها من دراية ونقد.
ولكنَّ المصنف رحمه الله قد اعتمد على هذه المرويات التي نقلها هؤلاء وغيرهم اعتمادًا كبيرًا، ولا عجب إذا قلت إن أبرز صفة في هذا التفسير هي مروياته المسندة. إلا أنه لم يقتصر عليها، بل ضم إليها جانب الدراية والرأي.
ثم ذكر المؤلف فرقةً من المفسرين بعكس هؤلاء. وهي: 
د- فرقة حذفوا الإسناد:
وينتقد الثعلبي هؤلاء بشدة، فيذكر أنهم بسبب تركهم الإسناد، ونقلهم من الصحف والدفاتر، وقع في تفاسيرهم الغث والسمين، والواهي والمتين. ولما كانوا كذلك ذكر أنه صان كتابه عن ذكرهم. مبيَّنًا قيمة الإسناد، وأنه لولاه لقال من شاء ما شاء.
ولا غرو أن ينتقد الثعلبي صنيع هؤلاء، وهو الذي جعل عمدة تفسيره على الإسناد.
هـ- فرقة حازوا قصب السبق في جودة التصنيف والحِذْق.
وهذا ثناء من الثعلبي على هؤلاء إلا أنه يرى أنهم قد أطالوا كتبهم بكثرة الأسانيد والروايات. فاتسعت كتبهم كثيرًا حتى حال هذا الاتساع والطول دون الاستفادة منها.
ومثل لها المؤلف بتفسير ابن جرير الطبري، وتفسير شيخه عبد الله بن حامد.
و- فرقة جوَّدوا التفسير، دون الأحكام، وبيان الحلال والحرام، وذكر المشكلات وحلها، والرد على أهل الزيغ والشبهات.
مثل تفاسير كثير من التابعين ومن بعدهم من أئمة التفسير، مثل مجاهد، ومقاتل، والسدي، والكلبي.
وهؤلاء أثنى الثعلبي عليهم من حيث تفسير الآية، ومعانيها، واعتمد على أقوال هؤلاء اعتمادًا كبيرًا، وكتابه ((الكشف والبيان)) يعتبر من أوسع التفاسير إن لم يكن أوسعها في نقل أقوال المفسرين من المتقدمين.
لكنَّ أبا إسحاق يرى أن هذا المنهج لا يكفي في تفسير الآية. بل لابد من جانب الدراية.
ثم ختم الثعلبي هذه الأقسام بعبارة تدل على أدبه رحمه الله مع العلماء، وإن انتقد مصنفاتهم، فقال: ولكل من أهل الحق منهم فيه غرض محمود، وسعي مشكور.
أي أنَّ هؤلاء العلماء وإن كان أبو إسحاق يخالفهم في جوانب من مناهجهم في مؤلفاتهم، إلا أنَّ هذا لا يعني إهدار جهدهم وما بذلوا وقاموا به في مؤلفاتهم. فسعيهم مشكور. لا سيما وقصدهم ومرادهم من مؤلفاتهم محمود، وهو خدمه كتاب الله، وبيان معانيه.
فائدة:
ذكر المؤلف ف يتقسيمه السابق للمفسرين، عدة تفاسير، وأشار إلى مناهج مؤلفيها في التفسير. فاستفدنا من كلام المؤلف في ذلك فائدتين نفيستين:
أولاهما: توثيق هذه التفاسير. لا سيَّما وأن أكثرها مفقود.
وثانيهما: ذكر مناهج مؤلفيها فيها.
ومن هذه التفاسير:
1- تفسير إسحاق بن راهويه.
2- تفسير أبي إسحاق الأنماطي.
3- تفسير عبد الله بن حامد الأصبهاني شيخ المؤلف.
4- تفسير أبي بكر القفَّال.
5- تفسير أبي حامد المقرئ.
6- تفاسير المعتزلة: البلخي، والجبائي، وألصفهاني، والرماني.
ويتَّضح لنا من التقسيم السابق أنَّ الثعلبي رحمه الله.
انتقد تفاسير المبتدعة، والفرق الضالة، كالمعتزلة.
كما انتقد التفاسير التي اقتصرت على الرواية والنقل، دون الاعتماد على جانب الدراية، والتفسير بالرأي.
وهو ينتقد من هم بعكس هؤلاء، ممن حذف في تفسيره الإسناد، واعتمد على جانب الدراية والراي، أو النقل بلا غسناد.
وينتقد الثعلبي كذلك الذين أطالوا تفاسيرهم إطالة شديدة بالروايات والأسانيد، وذكر الأقوال.
كما أنه ينتقد المفسرين الذين أَخْلَوْ تفاسيرهم من المسائل الفقهية والأحكام في الحلال والحرام، ولم يذكروا السمائل التي تتعلق بعلوم القرآن، كمشكل القرآن، وغيره.
ونخلُص مما سبق غلى أن مواصفات التفسير المثالي في رأي الثعلبي هو ما تميز بالصفات التالية:
1- خلوُّه من أقاويل المبتدعين والضالين.
2- الجمع بين الرواية والدراية، أو المأثور والمعقول في التفسير.
3- الاعتماد على الإسناد في التفسير، وعدم حذفه.
4- عدم التطويل الشديد في نقل المرويات والأقوال.
5- ذكر الأحكام الشرعية، والمسائل الفقهية المتعلقة بالآية.
6- الاهتمام بعلوم القرآن أثناء التفسير، مثل الآيات التي ادُّعي أنها مشكلة، وتأويل هذا المشكل.
7- الرد على أهل الزيغ والشبهات.
ولكنَّ الثعلبي لم يجد كتابًا في التفسير تجتمع فيه هذه الصفات والمميزات. وهذا ما دعاه إلى تأليف كتاب في التفسير ينتظم تلك المزايا والسمات.
ثانيا: سبب تأليف الكتاب:
بعد أن ذكر الثعلبي أقسام المصنفين في التفسير، تكلَّم عن تأليفه لهذا التفسيرز ويمكن إيجاز الأسباب التي دفعته إلى تأليف هذا الكتاب من خلال كلامه في مقدمة تفسيره، في أربعة أمور:
1- أنه لم يعثر على كتاب جامع مهذَّب في التفسير. ولعله يريد كتابًا يجمع المزايا التي استخلصناها من تقسيمه السابق للمفسرين.
2- رغبة الناس عن علم التفسير، وقصور هممهم في البحث عنه، مع نفرتهم عن الاستفادة من الكتب المطولة في هذا الشأن.
3- سؤال عدد من العلماء وطلا بالعلم الثعلبي أن يصنف كتابًا في هذا العلم.
4- التقرب غلى الله تعالى بهذا المؤلّف ، أداءً لبعض واجب شكره، فإن شكر العلم نشره، وزكاته إنفاقه.
ثالثا: وصف الكتاب:
ثمَّ وصف الثعلبي كتابه بقوله: كتاب شامل مُهذَّب، كامل مخلَّص، مفهوم منظوم .. نسقته بأبلغ ما قدرتُ عليه من الإيجاز والترتيب، ولفَّقته بغاية التنقيب والتقريب. فهو كتاب يشمل كل ما يتعلق بتفسير الآية، مع محاولة التهذيب وترك الإطالة المُملة، ويتميز باستيفاء المعلومة بأسلوب جامع مانع.
وهو مفهوم العبارة سَلِسُها، في نظم بديع، وترتيب رائع، مع الإيجاز غير المخل، وترتيب المعلومات المتعلقة بتفسير الآية، والتنقيب عن المعلومة وذكرها بأسلوب قريب من الفهم.
رابعا: منهجه وعمله في التفسير:
ثمَّ ذكر أن عمله في هذا التفسير يقوم على عدة أمور، ينبغي لكل مؤلف كتاب في فن قد سبق إليه ألا يخلو كتابه منها.
وهذه الخصال توضح لنا منهج المؤلف في تفسيره على سبيل الإجمال.
وهي:
- استنباط شيء كان مغفلًا.
- أو جمعه إن كان مفرَّقًا.
- أو شرحه إن كان غامضًا.
- أو حسن نظم وتأليف.
- أو إسقاط حشو وتطويل.
هكذا نصَّ في مقدمته.
وهذا يعني أن منهجه يقوم على:
1- استنباط الفوائد والأحكام من الآية.
2- جمع ما كان متفرَّقًا من أقوال المفسرين، وغيرها.
3- شرح ما كان غامضًا من ألفاظ الآيات.
4- حسن النظم في الأسلوب والتأليف.
5- خلوه من الحشو والتطويل الذي لا داعي له.
وهذا يتوافق مع وصفه لكتابه، بأنه كان يجمع بين الشمول والتكامل في المعلومة، والتهذيب والاختصار، وبين التطويل غير الممل والاختصار غير المخل.
خامسا: مصادره في كتابه من خلال مقدمته:
ثمَّ ذكر المؤلف مصادره إجمالًا: حيث ذكر أنه استخرج كتابه هذا من:
- مائة كتاب مجموعات مسموعات.
- إضافةً إلى ما التقطه من التعليقات، والأجزاء المتفرقات.
- وتلقَّفه من أفواه المشايخ الثقات، وهم قريب من ثلاثمائة شيخ.
ثم ذكر فيما بعد مصادره بالتفصيل، مروية بإسناده. وذكرها في المقدمة لئلا يحتاج على تكرار الأسانيد في ثنايا كتابه.
سادسا: أنواع المادة العلمية في ((الكشف والبيان)):
ثم ذكر الثعلبي رحمه الله أنه خرَّج تفسيره على أربعة عشر نحوًا:
1- البسائط والمقدمات.  
2- العدد والتنزيلات.
3- القصص والنزولات.  
4- الوجوه والقراءات.
5- العلل والاحتجاجات.
6- العربية واللغات.
7- الإعراب والموازنات.
8- التفسير والتأويلات.
9- المعاني والجهات.
10- الغوامض والمشكلات.
11- الإحكام والفقهيات.
12- الحِكم والإشارات.
13- الفضائل والكرامات.
14- الأخبار والمتعلقات.
ثم ذكر أنَّ هذه الموضوعات المعنونة، أدرجها في أثناء تفسيره، وضمَّنها كتابه، دون أن يُعنون لكل موضوع بعنوانه، بل يوردها في المكان المناسب لها.
وسيأتي منهجه في هذه العلوم عند تفصيل منهج المؤلف في كتابه في المبحث الثالث إن شاء الله.
- وبعد أن ذكر المؤلف مصادره بالتفصيل؛ عقد ثلاثة أبواب ختم بها مقدمته، وهي:
أ- باب في فضل القرآن وأهله وتلاوته.
ب- باب في فضل علم القرآن والترغيب فيه.
وروى  بسنده عددًا من الأحاديث والآثار في ذلكز
جـ- باب في معنى التفسير والتأويل والفرق بينهما.
وذكر أقوال العلماء في ذلك. وروى هذه الأقوال بسنده أيضًا