Logo

المآخذ على تفسير ((الكشف والبيان)) ومناقشتها

وبعد أن بيَّنت أهمية تفسير ((الكشف والبيان)) ومكانته وقيمته العلميَّة، أختم هذا المبحث بذكر بعض المآخذ التي أُخذت على هذا التفسير، مما لمستُه أثناء تحقيقي لجزء من هذا الكتاب، أو مما قاله عنه العلماء، وما ثلبوه به من مثالب، وسأعرض ذلك كلَّه على بساط البحث والمناقضة. لنتبيَّن بعد ذلك ما قيل فيه من حقًّ فيُقبل، وما قيل فيه من خطأ فنردُّه، ونبرئ ساحة الثعلبي منه.
1- روايته للأحاديث الموضوعة والواهية
وقد سجَّل العلماء هذا المأخذ على الثعلبي ونقدوه فيه ومن هؤلاء ابن الجوزي حيث يقول رحمه الله عن ((الكشف والبيان)): ليس فيه ما يُعاب به إلا ما ضمَّنه من الأحاديث الواهية التي هي في الضعف متناهية، خصوصًا في أوائل السور.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو من أوسع من تكلَّم في الثعلبي وتفسيره: لقد أجمع أهل العلم بالحديث أنَّه (أي الثعلبي) روى طائفة من الأحاديث الموضوعة، كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة، وأمثال ذلك، ولهذا يقال: هو كحاطب ليل.
ويقول رحمه الله: والثعلبي هو في نفسه كان فيه خير ودين، وكان حاطب ليل، ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع.
ويقول الكتَّاني في ((الرسالة المستطرفة)) عند الكلام عن الواحدي تلميذ الثعلبي: ولم يكن له ولا لشيخه الثعلبي كبير بضاعة في الحديث، بل في تفسيرهما وخصوصًا الثعلبي أحاديث موضوعة وقصص باطلة.
ولا شكَّ أن الثعلبي رحمه الله عليه قد أخطأ في رواية هذه الموضوعات التي ذكرها في فضائل السور وفي غيرها من الروايات الأخرى.
ولقد أساء بروايتها إلى تفسيره. لاسيما تلك الموضوعات التي رواها وهي من الأحاديث التي وضعها الشيعة على علي رضي الله عنه.
ولذلك فإن شيخ الإسلام ابن تيمية أكثر من ذكر الثعلبي وتفسيره في كتابه العظيم ((منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدريَّة))، والذي كان ردًّا على الرافضي يوسف بن مطهر الحِلَّي في كتابه ((منهاج الكرامة))، وذلك لأنَّ الرافضي كان يعتمد في كتابه على ما يذكره ويرويه الثعلبي في ((الكشف والبيان))، ممَّا جعل شيخ الإسلام ينبَّه على ذلك، منوَّهًا بتفسير الثعلبي، مبينًا ماله وما يؤخذ عليه حتى لا يغترَّ غِرٌّ بما يقوله ذلك الرافضي.
ومما قاله شيخ الإسلام في هذا: وقد أجمع أهل العلم بالحديث على أنَّه لا يجوز الاستدلال بمجرَّد خبر يرويه الواحد من جنس الثعلبي، والنقَّاش، والواحدي، وأمثال هؤلاء المفسرين، لكثرة ما يروونه من الحديث، ويكون ضعيلإا، بل موضوعًا.
يقول الدكتور محمد حسين الذهبي عن الثعلبي: اغترَّ بكثير من الأحاديث الموضوعة على ألسنة الشيعة فسوَّد بها كتابه دون أن يشير غلى وضعها واختلاقها، وفي هذا ما يدل على أنَّ الثعلبي لم يكن له باع في معرفة صحيح الأخبار من سقيمها.
ويمكن الاعتذار للثعلبي وتخفيف التَّبعة عليه في ذلك بأن يقال: إنَّ المسلك الذي سلكه قد سلكه غيره من المفسرين، بل والمحدثين أيضًا، وهم يعتقدون أنهم عندما يروون المرويات بما فيها الموضوعات بالسند تكون عهدتهم قد برئت من باب: أنَّ من أسند لك فقد أحالَك، ومن حَمل إليك فقد حمَّلك مؤنه البحث عنه، والحكم عليه.
فها هو الإمام الحافظ الجليل أبو القاسم الطبراني صاحب ((المعاجم)) وغيرها يُعاب بنحو ما عيب به أبو إسحاق الثعلبي، فينبري الحافظ ابن حجر للدفاع عنه، مبيَّنًا هذا الأمر حيث يقول في معرض كلامه عن الطبراني: وقد عاب عليه إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي جمعه لأحاديث بالأفراد مع ما فيها من النكارة الشديدة، والموضوعات، وفي بعضها القدح في كثير من القدماء من الصحابة وغيرهم، وهذا أمر لا يختص به الطبراني، فلا معنى لإفراده اليوم، بل أكثر المحدثين في الأعصار الماضية من سنة مائتين وهلُمَّ جرَّا إذا ساقوا الحديث بإسناده اعتقدوا أنهم برؤوا من عهدته، والله أعلم.
وإذا كان هذا بالمحدثين الذين يفتَّشون في الأسانيد، ويميزون بين الثقات والضعفاء، والصحيح والسقيم، فكيف بالمفسرين الذين هم أقل منهم في هذا الشأن؟!
ويتكلَّم الحافظ العراقي عن حديث أُبيّ الموضوع في ((فضائل السور)) وهو من أكثر وأشهر ما عيب على الثعلبي اعتمادهُ فيقول: وكلُّ من أودع حديث أُبي المذكور تفسيرَه كالواحدي والثعلبي والزمخشري مخطئ في ذلك، لكن من أبرز إسناده منهم كالثعلبي والواحدي فهو أبسط لعذره إذ أحال ناظره على الكشف عن سنده، وإن كان لا يجوز له السكوت عليه من غير بيانه.
وقفة:
نسب بعض العلماء رواية الثعلبي للموضوعات والأحاديث الواهيات إلى عدم تمييزه بين الصحيح والسقيم. ومن هؤلاء أبو الفرج بن الجوزي حيث قال عند كلامه على حديث أُبي الموضوع في فضائل القرآن: وقد فرَّق هذا الحديث أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره .. وتبعه أبو الحسن الواحدي في ذلك، ولا أعجب منهما لأنهما ليسا من أصحاب الحديث.
والحقيقة أنَّ الثعلبي رحمه الله كان حافظًا راويًا للأسانيد، وكان يروي بإسناده الأحاديث والآثار والأقوال، حتى الأشعار. ولكن يصعب القول بأنَّ أبا إسحاق كان من الذين يكثرون من نقد الأسانيد، والتفتيش عن حال رواتها، وكان له قدم راسخة في هذا الشأن.
لكنَّ ذلك لا يعني جهل الثعلبي بهذا الفن، ولا يعني ذلك عدم تمييزه بين الصحيح والسقيم، إذ أنَّ ذلك لا يمكن أنْ يتأتى مع ما نراه في تفسيره في بعض المواضع من نقده لبعض الرواة، وتضعيفه لبعض الأحاديث.
مثل نقده لحديث عبد الله بن شداد بن الهاد عن جابر بن عبد الله مرفوعًا: من صلى خلف إمام كانت قراءة الإمام له قراءة.
وحديث جابر الجعفي عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا قال: من كان له إمام فقراءته له قراءة.
قال أبو إسحاق: فأمَّا حديث عبد الله بن شداد: فهو مرسل رواه شعبة والثوري وزائدة وابن عيينة وأبو عوانة وإسرائيل وقيس وجرير وأبو الأحوص مرسلًا، والمرسل لا تقوم به حجة، والوليد بن حماد وأبو الحسن (من رواة الحديث) لا يُدرى من هما.
وأما خبر جابر الجعفي فإنَّه ساقط، قال زائدة: جابر كذَّاب. وقال أبو حنيفة ما رأيتُ أكذب من جابر. وقال ابن عيينة: كان جابر يؤمن بالرجعة. وقال شعبة: قال لي جابر: دخلت إلى محمد بن علي فسقاني شربة حفظتُ عشرين ألف حديث. ولا خلاف بين أهل النقل في سقوط الاحتجاج بحديثه.
وهكذا نرى أنَّ الثعلبي له مشاركة في نقد المرويات. ولذلك يصعب علينا القول بأنه لا يميَّز بين الصحيح والسقيم. ويرجَّح القول بأنَّ ذكره للموضوعات ونحوها إنما هو اعتماد على روايته لها بالإسناد، وقد حصل هذا لمحدَّثين أمثال الطبراني كما سبق والله أعلم.
2- توسُّعه في ذكر الإسرائيليات:
من المشهور عن الثعلبي أنَّه يُكثر في تفسيره ((الكشف والبيان)) من الإسرائيليات، وهي من سمات هذا التفسير.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: الثعلبي والواحدي وأمثالهما، هؤلاء من عادتهم يروون ما رواه غيرهم، وكثير من ذلك لا يعرفون: هل هو صحيح، أم ضعيف، ويروون من الأحاديث الإسرائيليات ما يعلم غيرهم أنه باطل في نفس الأمر، لأن وظيفتهم النَّقل لِما نُقل، أو حكاية أقوال الناس، وإن كان كثير من هذا وهذا باطلًا، وربَّما تكلَّموا على صحة بعض المنقولات وضعفها، ولكن لا يطردون هذا ولا يلتزمون.
والثعلبي بالفعل أكثر من الإسرائيليات في تفسيره، وتوسَّع في هذا الباب، ولعل مردَّ ذلك إلى أن الثعلبي بالإضافة إلى أنه مفسَّر كان أخباريًا مؤرَّخًا، يدل على ذلك كتابه في قصص الأنبياء المسمَّى ((عرائس المجالس))، فقد حوى هذا الكتاب الكثير من الإسرائيليات في قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأحوال الأمم السابقة.
يقول الدكتور الذهبي: ثم إنَّ هناك ناحية أخرى يمتاز بها هذا التفسير، هي التوسع إلى حد كبير في ذكر الإسرائيليات، بدون أن يتعقَّب شيئًا من ذلك أو ينبَّه على ما فيه رغم استبعاده وغرابته، وقد قرأت فيه قصصًا إسرائيليًا نهاية في الغرابة.
والحقيقة أنَّ الثعلبي بصنيعه هذا لم ينفرد أو يشذ عن ركب المفسرين، إذ لم يخل كتاب من كتب التفسير من الإسرائيليات كما سبق عند الكلام عن ذلك في منهج المؤلف وعلى رأس هؤلاء الإمامان أبو جعفر الطبري، وابن أبي حاتم، وهما الإمامان الناقدان البصيران بالصحيح والسقيم.
وكثير من الإسرائيليات التي ذكرها الثعلبي قد ذكرها قبله ابن جرير الطبري وغيرهُ.
فقصة هاروت وماروت، وقصة آدم وحواء وخروجهما من الجنَّة وإهباطهما إلى الأرض، وغير ذلك، معظم رواياتها الموجودة في ((الكشف والبيان)) نقلها المفسرون قبله وبعده.
حتى البغوي الذي اختصر (الكشف والبيان)) وذكر عنه بعض العلماء أنَّه صان كتابه مما وقع فيه الثعلبي هو الآخر قد وقع في إسرائيليات، وموضوعات، وغيرها.
يقول الدكتور محمد أبو شهبة: والخلاصة أنَّ كتب التفسير ما عدا القليل منها سواء منها ما كان بالمأثور صرفًا، أو غلب عليه المأثور، أو كان بالرأي والاجتهاد، لم تخل غالبًا من الإسرائيليات الباطلة، والأحاديث الموضوعة والواهية.
ثم إن الثعلبي أسند كثيرًا من هذه الإسرائيليات بإسناده فيكون قد أبرأ عهدته. وإن كان ينبغي عليه أن ينبَّه على ما يقتضي التنبيه عليه، مما يمس عصمة الأنبياء، ونحوه.
يقول العلامة القاسمي في مقدمة تفسيره ((محاسن التأويل)) وقد رأيتُ مَّمن يدَّعي الفضل الحط من كرامة الإمام الثعلبي –قدَّس الله سرَّه العزيز- لروايته الإسرائيليات، وهذا وايم الحق من جحد مزايا ذوي الفضل ومعاداة العلم، على أنَّه قُدَّس سرُّه ناقل عن غيره، وراوٍ ما حكاه بالأسانيد إلى أئمة الأخبار. وما ذنب مسبوقٍ بقولٍ نقله باللفظ وعزاه لصاحبه؟ فمعاذًا بك اللهمَّ من هضيمة السلف.
وقد رأيتُ له في تاريخ القاضي ابن خلَّكان ترجمة عالية أحببتُ إثباتها هنا، تعريفًا بمقامه لدى الجاهل به.. ثم ذكر ترجمته من ((وفيات الأعيان)) ثم قال: والقصد أنَّ الصالحين كانوا يتقبَّلون الروايات على علاتها للملاحظة المارَّة، لصفاء سريرتهم، فلا ينبغي إلا تفنيد الموضوع منها، لا الحط من مقامهم وقرض أعراضهم، كيف وقد تلقَّى الصحابة ومَن بعدهم الإسرائيليات وحكَوها، بل بعضهم اقتنى أسفارها، وأدمن مطالعتها، لما استبان له من البشائر النبويَّة، وتحقق تحريفهم.
3- اعتماده على بعض الروايات الواهية في التفسير:
روى الثعلبي في مقدمة تفسيره ((الكشف والبيان)) تفسير ابن عباس من عدة طرق بإسناده الخاص.
وقد روى عن ابن عباس الطرق الثابتة عنه. وروى كذلك الطرق الواهية عن ابن عباس. حيث روى عنه أو هي الطرق غليه في التفسير، وهي رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. ورواها عن الكلبي من عدة طرق، من ضمنها أو هي هذه الطرق وهي رواية السدي الصغير، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس. وهي سلسلة الكذب كما قال السيوطي. ولذلك عدل عن هذه الرواية ابن جرير، وابن أبي حاتم، وغيرهما من المفسرين. وكان الواجب على الثعلبي العدول عن هذه الرواية وإن كان قد رواها بالإسناد.
ومن الروايات التي اعتمدها الثعلبي وهي واهيةٌ عن ابن عباس أيضًا: التفسير الذي يرويه موسى بن عبد الرحمن الصنعاني، عن عبد الملك بن جريج، عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس.
قال الحافظ ابن حجر: ومن التفاسير الواهية لوهاء رواتها التفسير الذي جمعه موسى بن عبد الرحمن الثقفي الصناعاني، وهو قدر مجلدين يُسنِده إلى ابن جريرج عن عطاء عن ابن عباس، وقد نسب ابن حبان موسى هذا إلى وضع الحديث، ورواه عن موسى عبد الغني بن سعيد الثقفي وهو ضعيف.
ومن التفاسير الواهية كذلك: تفسير مقاتل بن سليمان يرويه عنه أبو عصمة نوح بن أبي مريم، الوضاع الذي وضع حديث فضائل القرآن.
ويمكن الاعتذار للثعلبي بما اعتُذر له به في المأخذ الأول، وهو أنَّه روى هذه التفاسير بالإسناد. وإن كان الأولى بأبي إسحاق أن يكون قد نزَّه تفسيره عنها.
4- عدم تبيين الراوي عن ابن عباس وغيره أحيانًا:
عرفنا فيما سبق أن الثعلبي روى عن ابن عباس من عدة طرق، منها المقبول، ومنها الساقط الواهي.
والثعلبي يورد في ثنايا تفسيره أقوالًا كثيرةً لابن عباس. بدون إسناده، لأنه ذكر أسانيده في مقدمة تفسيره، فيحذف الإسناد كاملًا ولا يذكر حتى الراوي عن ابن عباس، وبهذا لا يدرى من أي الطرق عن ابن عباس، هل هو من الطرق الصحيحة؟ أم من غيرها؟ ولا يمكن معرفة ذلك إلا بتخرج الأثر –إن وُجد من يرويه بالسند- وهذا مسلكٌ وَعِرٌ في معرفة الراوي عن ابن عباس.
5- جمع روايات الثقات والضعفاء في القصة الواحدة، وسوقها مساقًا واحدًا دون فصل أو تمييز، حتى لا يُدرى خبر الثقة من غيره:
عند قوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة: 286] قال الثعلبي: روت الرواة بألفاظ مختلفة، فقال بعضهم: لما نزلت هذه الآية جاء أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وناس من الأنصار فجثوا على الركب وقالوا: والله يا رسول الله ما نزلت آية أشد علينا من هذه الآية.. الخ.
قال الثعلبي: وهذا قول ابن مسعود وأبي هريرة وعائشة وابن عباس.. وسرد جماعة من التابعين وأتباعهم.
قال الحافظ ابن حجر معلَّقًا على هذا الصنيع: وهذا من عيوب كتابه ومَن تبعه عليه، يجمعون الأقوال عن الثقات وغيرهم ويسوقون القصة مساقًا واحدًا على لفظ من يُرمى بالكذب أو الضعف الشديد، ويكون أصل القصة صحيحًا، والنكارة في ألفاظ زائدة كما في هذه القصة، من تسمية الذين ذُكروا، وفي كثير من الألفاظ التي نُقلت، والسياق في هذه بخصوصها إنما هو لبعضهم. 
***
مبالغة بعض المعاصرين في نقد الثعلبي وتفسيره
قام بعض المعاصرين بذم تفسير ((الكشف والبيان)) للثعلبي بعبارات قاسية، وأحكام عامة من يطالعها لأول وهلة يعتقد أنَّ هذا الكتاب لا خير فيه ألبتة.
ومن هؤلاء الدكتور محمد حسين الذهبي، حيث يقول في كتابه ((التفسير والمفسَّرون)) عن الثعلبي: ليته إذ ادعى في مقدمة تفسيره أنَّه لم يعثر في كتب من تقدَّمه من المفسرين على كتاب جامع مهذَّب يعتمد، أخرج لنا كتابه خاليًا مما عاب عليه المفسرين، ليته فعل ذلك، إذًا لكان قد أراحنا وأراح الناس من هذا الخلط والخبط الذي لا يخلو منه موضع من كتابه.
ونحن نتمنى كذلك ما تمنَّاه الذهبي على الثعلبي، ولكننا لا نوافق الذهبي في أن تفسير الثعلبي لم يخل في موضع منه من ((الخلط والخبط))، ونرى أن هذا الإطلاق مبالغة ظاهرة. فالكتاب في مواضع كثيرة منه قد تضمن علومًا نافعة وفوائد جمة، وفنونًا متنوعة. كما سبق في بيان منهج المؤلف، وبيان أهمية الكتاب وقيمته العلمية.
والدكتور الذهبي لم يستقرئ الكتاب كاملًا حتى يكون حكمه شاملًا، بل حكم على الكتاب من خلال النسخة الأزهرية الناقصة، والتي تنتهي بتفسير سورة الفرقان، وقد ذكر ذلك في كتابه.
وإضافةً إلى الذهبي قام أيضًا بعض المعاصرين بذم الكتاب ونقده، والتزهيد فيه، والحط من قدره.
والحق أنَّه لا ينبغي إهدار ما في الكتاب من الفوائد الجمَّة، والمنافع العظيمة من أجل صنيعٍ لم ينفرد الثعلبي به، بل شاركه معظم المفسرين الذين طُبعت كتبهم، واستفاد منها الناس، ولم يلحقها من الذم والنقد ما لحق ((تفسير الثعلبي)) رغم أنَّ جُلَّهم قد استفاد منه، ونقل عنه واقتبس منه، ورغم أن الثعلبي تميز عليهم بالإسناد، مثل الزمخشري، والقرطبي، وأبي حيان، وغيرهم.
ولذلك عندما تقرأ عبارات العلماء المتقدمين الذين هم أقرب إلى الكتاب ومؤلفه وأبصر به ترى البون شاسعًا بين عبارتهم المتأنية الموضوعية، وبين عبارات بعض المتأخرين التي تتَّسم بالتعميم والعجلة.
فهذا عبد الغافر الفارسي بلديُّ الثعلبي يقول عن الثعلبي وتفسيره ((الكشف والبيان)) صاحب التصانيف الجليلة من التفسير الحاوي لأنواع الفوائد من المعاني والإشارات وكلمات أرباب الحقائق ووجوه الإعراب والقراءات.
ويقول ابن خلَّكان عن الثعلبي: صنَّف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير.
وما أجمل ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية عندما سئل عن بعض كتب التفسير فأجاب عن ذلك وختم جوابه بكلام نفيس حيث قال: وإن كان كلُّ هذه الكتب لابد أن يشتمل على ما يُنقَد، لكن يجب العدل، بينها، وإعطاء كل ذي حق حقَّه.