Logo

مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

مكانته العلمية:
تسنَّم الثعلبي رحمه الله مكانة علمية مرموقة، واحتل مقامًا رفيعًا بين علماء عصره، حتى كان الناس يأتون إليه من قاصي البلاد ودانيها.
ومن ينظر في ثناء العلماء عليه، وتبجيلهم له، يدرك تلك المنزلة، وذلك العلو.
ومن يطالع تفسيره، وما حواه من العلوم والمعارف، على مختلف أنواعها، وتعدد فنونها، يعلم يقينًا أنَّ أبا إسحاق الثعلبي كان موسوعة علمية، وكان بحرًا لا تكدَّره الدلاء.
العلوم التي برز فيها:
علم التفسير:
وكفي للدلالة على بروزه في هذا العلم، كتابه الموسوعي: ((الكشف والبيان عن تفسير القرآن)) الذي برهن من خلاله على علوَّ كعبه في هذا العلم. حتى قال فيه ابن خلَّكان: كان أوحد زمانه في علم التفسير.
وذكر تلميذه الواحدي أن الناس كانوا يأتون إليه من أقاصي البلاد ودانيها، كي يسمعوا منه التفسير، ويتلقونه عنه.
وبروز الثعلبي في التفسير يدل على بروزه في علوم أخرى، وذلك لأنَّ العلوم الشرعية مترابطة، والمفسَّر لا يكون مفسَّرًا، حتى يلمَّ بالعلوم الأخرى التي تمكَّنه من التفسير، إذ يلزمه مثلًا أن يكون عالمًا بالسنة حتى يفسَّر بها القرآن، وأن يكون مُلمَّاً باللغة، من نحوِ، وأدب، وغيرهما. ولابد أن يكون على علم بالقراءات، وعلوم القرآن، وعلى علم بالفقه، والأحكام، وأصول الفقه، وغير ذلك من العلوم والمعارف، خاصةً وأن علماءنا الأوائل لم يكونوا يتحيَّزون في جانب تخصصي واحد، بل كان طلبهم للعلم –آنذاك- شاملًا لجميع العلوم الشرعية.
ولذا فالثعلبي رحمه الله كانت له مكانة أيضًا في علوم أخرى منها:
علم القراءات: 
ذكره ابن الجزري في طبقات القراء فقال: إمام بارع مشهور، روى القراءة عن علي بن محمد الطرازي، روى عنه القراءة أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي.
والذين ترجموا له وصفوه بالمقرئ. كما سيأتي في ثناء العلماء عليه.
والذي ينظر في تفسير الثعلبي وما حواه من القراءات، ويرى توجيه الثعلبي لتلك القراءات، يعلم مكانة الرجل في هذا العلم.
علم الحديث:
إنَّ من يقف على مرويات الثعلبي وأسانيده في تفسيره، يعلم أن هذا الرجل كان راويةً بحق، وكيف لا يكون كذلك، وهو قد جمع من ثلاث مائة شيخ كما ذكر في مقدمة تفسيره، وروايته لم تقتصر على الحديث، وإنما كان يروي أقوال المفسرين بأسانيده، بل ويروي أبيات الشعر والأقوال الأخرى بإسناده.
وهو وإن كان غير مفتَّشٍ لما يرويه من الأحاديث ففيها الصحيح، والضعيف، والموضوع إلا أن هذا الكم الهائل من المرويات تدل على كثرة حديثه، وكثرة شيوخه، وسعة روايته. ولذا فقد وصفه بالحافظ كثير ممن ترجم له كما سيأتي.
علم الفقه:
تبين لنا في المبحث السابق، أن الثعلبي رحمه الله كان فقيهًا شافعيًا. وتفسيره مليء بالمسائل الفقهية، والأصولية، وعرْضُ الثعلبي للمسائل الفقهية، ونسبة الأقوال إلى أصحابها، وترجيحه بين الأقوال، وردوده على المخالفين دليل على قدمه الراسخة في هذا العلم. وسيأتي بيان ذلك عند الكلام عن منهجه.
الوعظ: 
وُصف بالواعظ، بل قال الذهبي: طويل الباع في الوعظ، وهو واعظ بحق، رحمه الله. وخير دليل على ذلك هو تأليف لكتاب في الوعظ اسمه رَبيع المذكَّرين كما سيأتي في مؤلفاته، بل إن تفسيره مشحون بعبارات الوعظ والتذكير، وحكايات الزهاد، وقصص العباد.
علم اللغة والأدب: 
ولذا فقد وصفه بالأديب جماعة ممن ترجموا له، وذكره المؤلفون ضمن تراجم اللغويين والأدباء، فقد ذكره القفطي في ((إنباه الرواة في أخبار النُحّاة))، وياقوت الحموي في ((معجم الأدباء))، والسيوطي في ((بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)).
ووصفه العلماء بأنه كان عالمًا بوجوه الإعراب والقراءات، ورأسًا في العربية بصيرًا بها كما سيأتي في ثناء العلماء عليه.
ويدرك إمامته في اللغة والأدب من ينظر في تفسيره، ويقف على تلك المباحث اللغوية الرائعة، والكم الهائل من الأبيات الشعرية. بل إنه رحمه الله كان يقول الشعر، ومن شعره:
وإنَّي لأدعو الله والأمرُ ضيَّقٌ
ورُبَّ فتىً سُدَّتْ عليه وجوهه عليَّ فَما ينفكُّ أنْ يتفرَّجا
أصابَ لهُ في دعوةٍ مخرجا 
علم التاريخ:
الناظر لتفسير الثعلبي رحمه الله يدرك تمامًا أنه أمام شخصية تاريخية تُعنى بذكر الأحداث، وتستطرد في تفصيلاتها لأدنى مناسبة، وقد لمس هذا الجانب بعض من ترجم له، فقال الزركلي في "الأعلام": له اشتغال بالتاريخ.
ونعته بالأخباري رضا كحالة في كتابه ((علوم الدين الإسلامي)).
***
 
 ثناء العلماء عليه:
---------------------
إنَّ من أعظم الدلائل على مكانة الإمام الثعلبي، وعلو شأنه، ورفعة قدره، ثناء العلماء عليه، ومدحهم له، وتوثيقهم إياه، وإليك بعض عباراتهم في ذلك:
1- قال عبد الغافر الفارسي في كتابه ((السياق لتاريخ نيسابور)): الأستاذ المقرئ، المفسَّر، الواعظ، الأديب، الثقة، الحافظ، صاحب التصانيف الجليلة، وهو صحيح النقل، موثوق به .. كثير الحديث، كثير الشيوخ.
2- وقال تلميذه أبو الحسن الواحدي: كان حبر العلماء بل بحرهم، ونجم الفضلاء بل بدرهم، وزين الأئمة بل فخرهم، وأوحد الأمة بل صدرهم .. فمن أدركه وصحبه علم أنَّه كان منقطع القرين، ومن لم يدركه فلينظر في مصنفاته ليستدل بها على أنه كان بحرًا لا يُنزَف، وغَمْرًا لا يُسْبَر.
3- وقال أبو الحسن القِفْطِي: المقرئ المفسَّر الواعظ الأديب الثقة الحافظ، صاحب التصانيف الجليلة، العالم بوجوه الإعراب والقراءات.
4- وقال ابن خِلَّكان: المفسَّر المشهور، كان أوحد زمانه في علم التفسير.
5- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الثعلبي هو في نفسه كان فيه خير ودين.
6- وقال الذهبي في ((السَّير)): الإمام الحافظ العلامة، شيخ التفسير، كان أحد أوعية العلم، وكان صادقًا موثَّقًا، بصيرًا بالعربية، طويل الباع في الوعظ.
7- وقال في ((العبر)): كان حافظًا واعظًا، رأسًا في التفسير، والعربية، متين الديانة.
8- وقال السبكي: كان أوحد زمانه في علم القرآن.
9- وقال ابن الجزري: إمام بارعٌ مشهور.
10- وقال الحافظ ابن كثير: كان كثير الحديث، واسع السماع، ولهذا يوجد في كتبه من الغرائب شيء كثير