بيان اسم الكتاب وإثبات نسبته إلى مؤلفه
تفسير الثعلبي اسمه ((الكشف والبيان عن تفسير القرآن)) وهذا الاسم للتفسير ثابت ثبوتًا قطعيًا، لا يتطرَّق إليه أدنى شك أو احتمال. وذلك لأدلة كثيرة، قوية ومتعاضدة منها:
1- أنَّ الثعلبي بنفسه رحمه الله صرَّح في مقدمة تفسيره أنَّه سمى تفسيره بهذا الاسم. حيث قال: وسمَّيته كتاب ((الكشف والبيان عن تفسير القرآن)).
ولو لم يكن إلا هذا لكفى دليلًا على هذا الاسم. فكيف إذا ضُمَّت إليه الأدلة التالية:
2- أنَّ تلميذه الملازم له، وراوي تفسيره أبا الحسن الواحدي قد سمَّاه بهذا الاسم أيضًا.
حيث قال في مقدمة تفسيره (البسيط)) في معرض ثنائه على شيخه الثعلبي: وله التفسير المُلقَّب ((بالكشف والبيان عن تفسير القرآن)).
3- أنَّ الذين رووا هذا التفسير بالإسناد عن الثعلبين سمَّوه في روايتهم بـ((الكشف والبيان عن تفسير القرآن)) ومن هؤلاء:
أ- ابن خير الإشبيلي (ت 575هـ) في فهرست ما رواه عن شيوخه.
ب- عز الدين ابن الأثير (ت 630هـ) في كتابه ((أُسد الغابة)).
4- أنَّ هذا الاسم هو الموجود على النسخ الخطية للكتاب.
وكذلك في الكتب التي ذكرت مخطوطات التفسير مثل تاريخ الأدب العربي لبروكلمان، والفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط.
5- ذِكْرُه بهذا الاسم في المؤلفات التي اعتنت بجمع أسماء الكتب والعلوم، مثل: ((كشف الظنون))، و((هدية العرافين))، و((معجم المؤلفين)).
وهكذا أثبتت لنا الدلائل السابقة بما لا يدع مجالًا للشك أنَّ اسم هذا التفسير هو ((الكشف والبيان عن تفسير القرآن)).
***
إثبات نسبة الكتاب إلى الثعلبي رحمه الله.
--------------------------------------------
بعد أن ثبت لدينا أنَّ اسم تفسير الثعلبي هو ((الكشف والبيان عن تفسير القرآن)) نأتي بعد ذلك إلى إثبات نسبة هذا الكتاب إلى الإمام الثعلبي.
فنقول: إنَّ نسبة هذا الكتاب إلى الثعلبي ثابتة ثبوتًا قويًا، وذلك من خلال الأدلة القويَّة، والبراهين الساطعة، التي أثبتت أيَّما إثبات أنَّ هذا التفسير هو للثعلبي، حتى غدا ذلك أمرًا واضحًا مشهورًا، لا يقبل المِراء ولا الاختلاف.
ومن الأدلة المثبتة لنسبة الكشف والبيان إلى الإمام الثعلبي ما يلي:
1- رواية الكتاب بالإسناد المتصل إلى مؤلفه. ومن الذين رووا هذا التفسير:
أ- أبو الحسن الواحدي التلميذ المشهور للإمام الثعلبي وراوية تفسيره.
ففي بداية النسخة المحمودية ((الأصل)) للكشف والبيان، ذُكر إسناد متصل، يرويه المقرئ أبو عمران موسى بن علي بن الحسن الجزري، عن شيخه الإمام الأوحد الحافظ أبي محمد عبد الله بن علي التكريتي في شوال سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، قال: أخبرنا الشيخ الإمام بقية الشرق أبو الفضل بن أبي الخير اليمني، قال: أخبرنا الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي، قال: أخبرنا المصنّف أبو إسحاق الثعلبي.
ب- ورُوي التفسير من طريق آخر عن الوحدي أيضًا حيث رواه ابن خير الإشبيلي في ((فهرسة ما رواه عن شيوخه)) عن شيخه القاضي عياض بسنده إلى الواحدي عن الثعلبي. فقد قال الإشبيلي: كتاب الكشف والبيان عن تفسير القرآن، تصنيف الأستاذ أبي إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي رحمه الله.
حدثني به الفقيه القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي رحمه الله إجازة فيما كتب به إليَّ، قال: حدثني الشيخ أبو سعيد حيدر ابن يحيى بن حيدر بن يحيى الحنبلي الصوفي المجاور بمكة إجازةً فميا كتب به إلي بخط يده من مكة حرسها الله، قال: حدثنا القاضي أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي، عن أبي إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي مؤلفه.
جـ- وروى هذا التفسير أيضًا الإمام أبو محمد البغوي في كتابه ((معالم التنزيل)) من طريق تلميذ الثعلبي أبي سعيد الشُّريحي الخوارزمي.
حيث قال في مقدمة تفسيره: وما نقلتُه فيه من التفسير عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حبر هذه الأمة ومن بعده من التابعين وأئمة السلف فأكثرها مما أخبرني الشيخ أبو سعيد أحمد بن محمد الشّريحي الخوارزمي فيما قرأته عليه، عن الأستاذ أبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي عن شيوخه. ثم ذكر الأسانيد في ذلك.
د- ومَّمن روى هذا التفسير بالإسناد المتصل إلى مؤلفه: الإمام عز الدين ابن الأثير في كتابه ((أسد الغابة))، حيث ذكر في مقدمة كتابه الكتب الكبار التي خرَّج منها الأحاديث وغيرها، وذكر في أول هذه الكتب تفسير الثعلبي، ثم ساق روايته لهذا الكتاب من طريق تلميذ الثعلبي أحمد بن خلف الشيرازي فقال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن عثمان بن أبي علي بن مهدي الزرزاري الشيخ الصالح رحمه الله تعالى قال: أخبرنا الرئيس مسعود بن الحسن بن القاسم الأصبهاني، وأبو عبد الله الحسن بن العباس الرستمي، قالا: أخبرنا أحمد بن خلف الشيرازي، قال: أنبأنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي بجميع كتاب الكشف والبيان في تفسير القرآن. سمعت عليه من أول الكتاب إلى آخر سورة النساء، وأما من أول سورة المائدة إلى آخر الكتاب، فإنه حصل لي بعضُه سماعًا وبعضه إجازةً، واختلط السماع بالإجازة فأنا أقول فيه: أخبرنا به إجازةً إن لم يكن سماعًا. فإذا قلت: أخبرنا أحمد بإسناده إلى الثعلبي، فهو بهذا الإسناد.
هـ- وروى الكتاب أيضًا الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852) الإمام المشهور، في كتابه ((المعجم المفهرس)) والذي ذكر فيه مروياته إلى الكتب المشهورة، والأجزاء المنثورة.
وقد روى تفسير الثعلبي عن طريق تلميذه: أبي سعيد الفَرُّخْراذي. قال ابن حجر رحمه الله ((كتاب الكشف والبيان في تفسير القرآن)) لأبي إسحاق الثعلبي. أخبرنا الكمال أحمد بن علي بن عبد الحق مشافهةً، عن الحافظ أبي الحجاج المزي، وأبي محمد القاسم بن محمد البرزالي في آخرين، قالوا: أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري، إجازةً إن لم يكن سماعًا، عن منصور بن عبد المنعم، وعبد الله بن عمر الصفَّار، والمؤيَّد بن محمد الطوسي، قالوا: أنبأنا أبو محمد العباس بن محمد بن أبي منصور العَصَّاري الطُّوسي، المعروف بعبَّاسة، أنبأنا أبو سعيد محمد بن سعيد ابن محمد بن فَرُّخْراذ الفَرُّخْراذي، أنبأنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي به.
و- ومن الذين رووا هذا التفسير أيضًا تلميذ المؤلف أبو معشر عبد الكريم بن عبد الصمد القطَّان (ت 478هـ). كما نقل ذلك السبكي في ((طبقات الشافعية)) حيث قال عند ترجمته: وقد روى تفسير الثعلبي عن المصنَّف.
2- ومن الأدلة على ثبوت نسبة هذا التفسير للثعلبي تعاقب العلماء على الإفادة منه، إما بالنقل منه، أو اختصاره، أو نحو ذلك مما سيأتي تفصيله عند الكلام على أهمية الكتاب في المبحث الرابع.
3- ومن الأدلة أيضًا الشهرة الواسعة لنسبة هذا التفسير للثعلبي. فلا تكاد تجد للثعلبي ذكرًا في كتب التراجم إلا مقرونًا بتفسيره.
فها هو على سبيل المثال عبد الغافر الفارسي يقول عن الثعلبي: صاحب التصانيف الجليلة، من التفسير الحاوي أنواع الفرائد، من المعاني والإشارات، وكلمات أرباب الحقائق، ووجوه الإعراب والقراءات، ثم كتاب العرائس والقصص، مما لا يحتاج إلى ذكره لشهرته.
ويقول ياقوت الحموي عنه أيضًا: المفسَّر، صاحب الكتاب المشهور بأيدي الناس، المعروف بتفسير الثعلبي.
ويقول السيوطي: صاحب التفسير المشهور.
ويقول تلميذه الواحدي: وله التفسير المُلقَّب بالكشف والبيان عن تفسير القرآن.
ويقول القفطي: وله التفسير المشهور.
ويقول ابن خلَّكان: وصنَّف التفسير الكبير، الذي فاق غيره من التفاسير.
ويقول الذهبي: له كتاب التفسير الكبير.
ويقول الأسنوي: صاحب التفسير المعروف.
ويقول السبكي: صاحب التفسير.
وهكذا اقترن ذكر الثعلبي بذكر تفسيرهن فدل ذلك على أنَّ نسبته إليه مشهورة شهرة كبيرة.
4- ويضاف إلى ما سبق من الأدلة على إثبات نسبة هذا التفسير للثعلبي النسخ الخطيَّة الكثيرة لهذا الكتاب، المصدَّرة باسم الكتاب ((الكشف والبيان عن تفسير القرآن)) واسم مؤلفه أبي إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي.
وهكذا فإن ما سبق من الدلائل والبراهين تدل دلالةً قاطعة على ثبوت نسبة الكشف والبيان إلى أبي إسحاق الثعلبي رحمه الله