النشأة والحالة العلمية
الحالة العلمية :
العصر الذي نشأ فيه الثعلبي رحمه الله كان مضطربًا غير مستقر من الناحية السياسية، حيث ضعفت الخلافة العباسية، وقامت دول ثم سقطت، وقامت على إثرها دول، وهكذا، كانت القلاقل والصراعات سمة هذا العصر، الأمر الذي انعكس أثره سلبًا على الحالة الاجتماعية كما سبق.
وأما الحالة العلميَّة فكانت على العكس من ذلك! فمع هذا الضعف والسوء في الحالتين السياسية والاجتماعية، نجد أن الحركة العلمية نشطت، حتى كان هذا العصر من أزهى عصور الإسلام الثقافية، فيه كثر طلاب العلم والعلماء.
ولعل مردَّ تلك الحركة العلميَّة النشطة إلى تنافس الإمارات الإسلامية المختلفة، بضم أكبر عدد من العلماء والأدباء، والتفاخر بهم، وتسهيل السبل للعلم وأهله. إضافة إلى حبّ الحاكم للعلم والعلماء، وتقريبه إياهم، ودعمهم، مما كان له أكبر الثر في ازدهار الحركة العلمية والثقافية.
الحركة العلميَّة في نيسابور:
بعد أن اتضحت لنا الصورة العامة للحركة العلمية في الفترة التي عاشها الإمام الثعلبي من بعد منتصف القرن الرابع، إلى سنة وفاته (427).
نريد بعد ذلك أن نستجلي الصورة مفصَّلة عن الحركة العلمية في موطن الثعلبي، نيسابور.
لدق كانت نيسابور معظم هذه الفترة، تنعم في ظل الدولة الغزنوية، بقيادة ملكها الصالح محمود الغزنوي الذي كان بلاطه حافلًا بالعلم والعلماء، لما اتصف به من حب للعلم وأهله.
جاء في ((المنتخب من السياق لتاريخ نيسابور)) في ترجمة السلطان محمود: كان مجلسه مورد العلماء ومقصد الأئمة والقضاة، يعرف لكل واحد حقه، ويخاطبه بما يستحقه، ويستدعي الأكابر والصدور والعلماء من كل فن إلى حضرة غزنة، ويبوئهم من ظله وإنعامه وإكرامه المحل الرفيع، ويصلهم بالصلاة السنيَّة.
لقد كانت نيسابور من أهم وأبرز مراكز العلم والفكر، ولذا نجد الإمام السخاوي رحمه الله يصفها بأنها دار السنة والعوالي وكان يتوافد إليها العلماء باستمرار، حتى اكتسحها المغول.
وإذا علمنا أنَّ أبا عبد الله الحاكم لمَّا ألَّف كتابه الكبير ((تاريخ نيسابور)) ضمَّنه ترجمة (1375) عالمًا من علماء نيسابور، والواردين عليها، ثم ذرك عبد الغافر الفارسي في ((السياق لتاريخ نيسابور)) وهو ذيل على ((تاريخ نيسابور)) ومختصر له، (1699) عالمًا من علمائها والواردين عليها.
إذا علمنا ذلك اتضح لنا بجلاء مدى ازدهار نيسابور آنذاك بالعلم وأهله، وأنها بحق معقلًا عظيمًا من معاقل العلم والعلماء.
المدارس العلمية في نيسابور:
ونتيجة لهذا الوضع العلمي المزدهر، شيَّدت بنيسابور المدارس، التي ضمَّت بين جنباتها العلماء وطلاب العلم. ومن هذه المدارس:
1- مدرسة أبي بكر أحمد بن إسحاق الصَّبْغِي (ت 342) المعروفة بدار السُّنَّة.
2- مدرسة الدَّاري، وهي دار الحديث التي أنشأها أبو إسحاق إبراهيم ابن محمد الدَّاري، الرئيس البسطامي، في الثلث الأول من القرن الرابع الهجري.
3- مدرسة القطَّان: وهي مدرسة للمالكيَّة، كان يدرَّس فيها إبراهيم بن محمود بن حمزة الفقيه المالكي.
4- مدرسة أبي الوليد النيسابوري القرشي الأموي (ت349).
5- دار العلم بنيسابور: أسسها الحافظ محمد بن أحمد بن حبان أبو حاتم البستي (ت354).
6- المدرسة السعديَّة التي أنشأها الأمير نصر بن سبكتكين أخو السلطان محمود الغزنوي، عندما كان واليًا على نيسابور في حدود سنة (389).
7- مدرسة أبي بكر محمد بن فورك (ت406هـ).
8- المدرسة البيهقيَّة، التي أسسها الإمام أبو بكر البيهقي (ت 458هـ) وكان إنشاؤها قبل سنة (408هـ).
9- مدرسة أبي إسحاق الإسفراييني (ت 418هـ).
10- المدرسة النظامية التي أنشأها مع غيرها من المدارس نظام الملك الحسن بن علي الطوسي (ت 312هـ)، وكان يدرس فيها إمام الحرمين الجويني.
هذه بعض المدارس في نيسابور، وهناك غيرها، حتى إنَّ المؤرَّخ محمد بن حسين البيهقي قال في تاريخه: إنَّه كان في نيسابور سنة (414هـ) وذلك في زمن السلطان محمود الغزنوي بضع وعشرون مدرسة.
وظهور هذه المدارس دليل على نمو الحركة العلمية وازدهارها في نيسابور، ودليل على الاهتمام بالعلم وطلابه.
يقول المقريزي في ((خُطَطه)): ويعتبر ظهور المدرسة في هذا العصر بشكل مستقل عن المسجد، خير دليل على الاهتمام بالعلم، وكانت الأولى هي المدرسة البيهقية بنيسابور التي تعددت فيها المدارس بعد ذلك.
ويعتبر القرن الرابع بداية ظهور هذه المدارس والمعاهد، التي بقيت طريقةً متبعة إلى أيامنا هذه.
ومما سلف يتضح لنا أن نيسابور موطن الإمام الثعلبي كانت مهد هذه المعاهد، فكانت بذلك تضاهي بغداد، حاضرة العلم والعلماء في ذلك العصر، بل كانت سابقة لبغداد في إنشاء المدارس الأولى في الإسلام.
وقد بلغت العناية بالعلم وطلابه إلى حد أنَّ كثيرًا من أهلالفضل كانوا ينفقون على طلاب العلم من مالهم الخاص، ويقفون عليهم كتبهم، كما حدث مع ابن حبان البستي الذي بنى مدرسةً لطلاب العلم، وأوقف عليها جملةً من ماله.
دور المساجد في النهضة العلميَّة بنيسابور:
لقد كان للمساجد -منطلق العلم الأول- دور رائد في الحركة العلمية بنيسابور، ففي مساجد نيسابور كانت تعقد دروس اللم بمختلف أنواعه، من تفسير، وحديث وفقه، ووعظ وقصص، وغيرها، حتى أضحت هذه المساجد مراكز إشعاع، ومنارات علم.
والثعلبي رحمه الله كان من روَّاد تلك المساجد، ولذا نجده يصرَّح بتلقَّي بعض سماعاته عن شيوخه في المسجد، فيقول على سبيل المثال: أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد بن علي بن إبراهيم السرَّاج بقراءتي عليه في الجامع، يوم الجمعة، سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.
المكتبات:
وبالإضافة إلى المساجد، والمدارس، كان هناك رافدًا علميًا آخر، ألا وهو تلك المكتبات العلمية، والخزائن الثريَّة بالكتب النفيسة، وخاصة في جهة نيسابور، وما حولها، وهذه المكتبات ما هي إلا نتاج الازدهار العلمي، والثقافي.
ومن هذه المكتبات والخزائن:
1- خزانة دار العلم: أسسها بنيسابور ابن أردشير البويهي، سنة (383هـ) وتشتمل على عشرة آلاف وأربعمائة مجلدًا في العلوم المتنوعة.
2- مكتبة نوح بن نصر الساماني: وهي مكتبة عظيمة، قال عنها ابن خلَّكان: عديمة المثل، فيها من كل فن من الكتب المشهورة بأيدي الناس وغيرها، مما لا يوجد في سواها ولا سمع باسمه فضلًا عن معرفته.
3- مكتبة غزنة: الملحقة بجامعة غزنة، التي أسَّسها ونقل إليها الكتب السلطان محمود الغزنوي.
4- بيت الكتب: الذي كان في بلاط الصاحب بن عباد بالري، كان به من الكتب ما يحتاج في نقله إلى أربعمائة جمل، وكانت فهرست هذه الكتب تقع في عشر مجلدات.
5- هذا بالإضافة إلى: خزائن كتب الخلفاء والحكام، وكانت تُعد من مكملات مظاهر الملك والسلطان.
إضافة أيضًا إلى ما يمتلكه العلماء والأدباء في هذا العصر من مؤلفاتهم التي يتعذر استقصاؤها.
وكل ذلك برهان واضح على بلوغ الازدهار العلمي في عصر الثعلبي أوجه في شتى ميادين الثقافة والعلوم.
علماء نيسابور:
هذه الحركة العلمية النشطة التي تحدثنا عنها سابقًا، وذلك الازدهار العلمي، إنما قام على أيدي العلماء الذين كانوا في نيسابور، وما حولها، وهذا التفوق العلمي والثقافي، أثمر علماء في شتى ميادين العلم.
وإذا عرفنا الكم الهائل من العلماء النيسابوريين، والواردين على نيسابور، الذين ذكرهم الحاكم في ((تاريخ نيسابور)).
علمنا أن نيسابور كانت مجمعًا للعلماء وطلاب العلم.
ولا أدلَّ على ثرائها بالعلماء مما ذكره الذهبي من أن الخطيب البغدادي (ت 463) أراد الرحلة إلى ابن النحَّاس في مصرن فاستشار البرقاني في ذلك فقال له: إن خرجت إلى مصر إنما تخرج إلى رجل واحد، فإن فاتك ضاعت رحلتك، وإن خرجت إلى نيسابور ففيها جماعة، فخرج إلى نيسابور.
ومن مشاهير علماء نيسابور:
1- الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261)، صاحب ثاني أصح الكتب بعد كتاب الله ((الجامع الصحيح)).
2- الإمام أبو عبد الله الحاكم (ت405) صاحب ((المستدرك على الصحيحين)) وغيره، وهو شيخ الثعلبي.
3- الإمام ابن المنذر النيسابوري (ت318): من أشهر فقهاء نيسابور في بداية القرن الرابع، وهو صاحب كتاب ((الإشراف على مذاهب العلماء))، ((الإجماع)) وغيرها.
4- الإمام محمد بن علي القفال الشاشي (ت 365)، الفقيه الشافعي. وهو من أبرز علماء الشافعية في بلاد ما وراء النهر.
5- الإمام الحافظ أبو القاسم هبة الله بن الحسن اللالكائي (ت 418) صاحب كتاب ((أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) وغير هؤلاء.
وبعد:
فنخلُص مما سبق إلى أن العصر الذي عاش فيه الثعلبي، كان عصر ازدهار علمي، وتفوّق ثقافي، والموطن الذي كان يقطن فيه الثعلبي، كان مجمعًا للعلماء وطلاب العلم، حيث كانت الدروس والحلقات العلمية تترى في مساجد نيسابور، وكانت المدارس التي أنشئت في ذلك الوقت، تقوم بدور عظيم في تنشيط الحركة العلمية، من خلال الدروس التي كانت تعقد فيها، حتى أضحت نيسابور من أكبر وأهم مراكز العلم في العالم الإسلامي، إلى حد أنها أصبحت تضاهي بغداد حاضرة العلم والعماء.
ولقد كان لهذا الازدهار الثقافي، والثراء العلمي، أثره الكبير على الإمام الثعلبي.
فالثعلبي وجد نفسه في نيسابور بين العلم وطلابه، فأخذ ينهل من هذا المعين المتدفق، فتنوعت معارفه، وتعدد مشايخه، وكثرت مسموعاته.
حيث يقول حرمه الله في مقدمة تفسيره:
فاستخرتُ الله تعالى في تصنيف كتاب شامل مهذَّب، كامل ملخَّص مفهوم منظوم، مستخرج من زهاء مائة كتاب مجموعات مسموعات، سوى ما التقطتهُ من التعليقات، والأجزاء المتفرقات، وتلقفتهُ من أفواه المشايخ الثقات، وهم قريب من ثلاثمائة شيخ.
وها نحن اليوم نعيش أثر تلك النهضة العلمية الجابرة، فنستقبل كل يوم من كتبهم أسفارًا ضخمة يقدمها لنا المحققون في عصرنا الحاضر، وما بين أيدينا اليوم من تراثهم الوفير إنما هو غيض من فيض، فليس كل ما ألَّفه أولئك العظماء وصل إلينا، فالحروب الدامية لم تقتصر على إراقة دماء البشر، بل امتد أوراها حتى أتى على كثير من مكتبات العالم الإسلامي، وليس بخافٍ علينا ما فعله التتار بكتب العلم، إبَّان غزوهم بغداد.
ومن هذه الأسفار الضخمة التي وصلتنا من تلك النهضة، هذا السفر العظيم ((الكشف والبيان)) الذي يعكف على تحقيق مجموعة من طلاب العلم في جامعة أم القرى حرسها الله، ليخرجوه محققًا، فيستفيد منه طلاب العلم، ويعيشوا بين فرائده وفوائده.
نشأته وطلبه للعلم :
--------------------
سبق أن ذكرت في أول ترجمة المؤلف، أن الإمام الثعلبي رحمة الله عليه لم يحظَ بترجمة وافية عند من ترجم له. فمصادر ترجمته ليس فيها شيء عن نشأته ولا عن طلبه للعلم.
ولكن من يطلع على تفسير الثعلبي، يجد بعض الدلالات التي تشير إلى أنَّه رحمه اله نشأ وترعرع في بيئة علم. ولا غرو في ذلك، فهو نيسابوري، عاش في نيسابور، موطن العلم والعلماء، ومركز الازدهار العلمي والثقافي، هذا من حيث العموم.
أما من حيث الخصوص، فإنَّ بيئة أبي إسحاق الخاصة، كانت هي الأخرى بيئة علم وعلماء.
ولا أدل على ذلك من أنَّ بيته رحمه الله كان روضةً من رياض العلم، يأتي إليه العلماء وطلاب العلم، وتعقد فيه الحلقات والدروس العلميَّة، كما سيأتي بيانه في المطلب الثاني.
وبما أن الثعلبي نشأ في بيئة علم، وعاش في كنف بيت يأتي إليه أساتذة العلم، وتنعقد فيه دروس العلماء، فإنَّ ذلك الأمر كان له أكبر الأثر على نشأة الثعلبي، وطلبه للعلم، بل جده واجتهاده في هذا الطلب، إذ أنَّ البيت الذي يأتي إليه العلماء سيكون حقلًا علميًا خصيبًا، وبالتالي يكون صاحبه مقبلًا على العلم، حريصًا على المعرفة، وعلى قضاء ربيع حياته وعنفوان شبابه في رحاب العلم والعلماء.
بداية طلبه للعلم:
----------------------
عند النظر في ((تفسير الثعلبي)) نجد أنَّه رحمه الله يشير أحيانًا إلى تاريخ سماعه من بعض شيوخه. وهذه السماعات كلها بعد سنة (380هـ) وحدَّث عن شيخيه ابن المقرئ وابن مهران، وقد توفيا سنة (381) كما سبق ذكره عند الكلام عن ولادته.
ومن خلال الأمرين السابقين:
أ- تاريخ السماعات. ب- وأقدم شيوخه وفاةً.
يتبيَّن أن أبا إسحاق رحمه الله قد بدأ طلبه للعلم في الربع الأخير من القرن الرابع. ويمكن أن يكون قبل ذلك أيضًا والله أعلم.
جِدُّه ومثابرته ونشأته في طلب العلم:
عرفنا فيما سبق أنَّ الثعلبي رحمه الله نشأ في بيئة علمية، حتى إنَّ بيته الذي يسكن فيه، كان روضةً غنَّاء، بحلق العلم ودروس العلماء.
ولقد وافقت هذه البيئة من الثعلبي إقبالًا كبيرًا على العلم، وجدًا واجتهادًا في الطلب.
فقد استطاع الثعلبي استثمار الجو العلمي الذي عاش فيه استثمارًا قويًا ناجحًا، عاد عليه بالنفع التام في حياته العلمية، وأثمر إثمارًا عظيمًا في بناء شخصيته العلمية. وإنَّ المتأمل لخطبة الإمام الثعلبي التي صدَّر بها تفسيره، ليدرك تمام الإدارك مدى قوة أبي إسحاق في تحصيله العلمي، ومدى جدّه واجتهاده.
ومما يدل على ذلك الجد والاجتهاد، وتلك الهمة العالية ما يلي:
أ- قوله رحمه الله: وإنَّي منذ فارقت المهد إلى أن بلغتُ الأشد، اختلفتُ إلى طبقات الناس، واجتهدتُ في الاقتباس من هذا العلم الذي هو للدين الأساس، وللعلوم الشرعية الرأس، ووصلتُ الظلام بالضياء، والصباح بالمساء، بعزمٍ أكيد، وجهد جهيد، حتى رزقني الله تعالى وله الحمد من ذلك ما عرفتُ به الحق من الباطل، والمفضول من الفاضل، والصحيح من السقيم، والحديث من القديم، والبدعة من السُّنَّة، والحجة من الشَّبْهة.
هكذا كانت همة أبي إسحاق، وجدُّه واجتهاده في طل بالعلم، فقد كان رحمه الله يصل الظلام بالضياء، والصباح بالمساء، بعزم أكيد، وجهد جهيد.
فأيّ همَّةٍ بعد هذه، وأي اجتهادٍ بعد هذا!!
ب- كثرة شيوخه، وتعدُّد مصادره:
ولا شك أنَّ ذلك لا يتأتَّى إلا لمن جدَّ واجتهد في الطلب، فأخذ يتردَّد على مجالس العلماء، ودروس العلم، ويسمع من هذا، ويقرأ على ذاك، في طلب مستمر، وعمل متواصل، لا يعرف الكلل، ولا يستسلم للسآمة والملل.
وهكذا كان أبو إسحاق الثعلبي، حتى تحقق له من ذلك، إنجاز عظيم، تمثَّل في ثلاثمائة شيخ، وعدد كبير من الكتب والمسموعات.
وهذا لعمري برهان ساطع على الجد والاجتهاد في طلب العلم، وثَنْي الرُّكَب أمام العلماء.
جـ- تنوع المادة العلمية في تفسيره:
حيث ذكر أنَّه ضمَّن كتابَهُ أربعة عشر نوعًا:
1- البسائط والمقدمات. 2- والعدد والتنزيلات.
3- والقصص والنزولات. 4- والوجوه والقراءات.
5- والعلل والاحتجاجات. 6- والعربية واللغات.
7- والإعراب والموازنات. 8- والتفسير والتأويلات.
9- والمعاني والجهات. 10- والغوامض والمشكلات.
11- والأحكام والفقهيات. 12- والحكم والإشارات.
13- والفضائل والكرامات. 14- والأخبار والمتعلقات.
وهذا دليل آخر على سعة علم الثعلبي رحمه الله، وهذه الموسوعية ما هي إلا ثمرة الجد والهمَّة العالية في طلب العلم.
ميادين علمه:
كما تنوَّعت معارف الثعلبي وعلومه، تنوَّعت كذلك الميادين التي تلقَّى فيها أبو إسحاق هذه العلوم.
وهذه الميادين هي:
أ- دار الثعلبي: ذكر رحمه الله في مقدمة كتابه أنه روى تفسير الدمياطي عن شيخه أبي حامد الصوفي في داره (أي دار الثعلبي).
قال رحمه الله: تفسير الدمياطي .. أخبرنا أبو حامد أحمد بن الوليد الصوفي بقراءتي عليه في داري سنة ثمان وأربعمائة.
وكذلك يروي رحمه الله عن شيخه ابن فنجويه في داره، فيقول في تفسير سورة الإخلاص: أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين الثقفي الحافظ بقراءتي عليه في داري.
ب- دُور شيوخه: حيث كان الثعلبي رحمه الله يقصد شيوخه في منازلهم، يجلس بين أيديهم، يسمع منهم، ويقرأ عليهم.
فها هو رحمه الله يقصد دار شيخه المُكثِر عنه أبي محمد عبد الله بن حامد الأصفهاني الوزان، ليجلس بين يديه، ويسمع منه تفسير أبي حذيفة النهدي، الذي يرويه ابن حامد بسنده إلى أبي حذيفة.
يقول رحمه الله: تفسير النهدي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن حامد الوزَّان بقراءتي عليه في داره الخ.
جـ- المساجد: رغم كثرة المدارس بنيسابور، وإقبال العلماء وطلاب العلم عليها. إلا أنَّ ذلك لم يؤثر في المكانة العلمية للمساجد، التي تعتبر المنطلق العلمي الأول في العالم الإسلام آنذاك.
والثعلبي أبو إسحاق كان من روَّاد تلك المساجد. حيث نجده يصرَّح في تفسيره بأنه تلقى أحد مروياته في الجامع بنيسابور فيقول: أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد بن علي بن إبراهيم السراج بقراءتي عليه في الجامع، يوم الجمعة، سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.
د- المدارس: وقد سبق عند بيان الحالة العميَّة لعصر الثعلبي، أنَّ نيسابور بلد الإمام الثعلبي، كانت منطلق المدارس العلمية في العالم الإسلامي. وكانت نيسابور تزدهر بهذه المدارس، وتفخر بها.
وكان من هذه المدارس العلميَّة، بعض المدارس التي أنشأها بعض مشائخ الثعلبي. كمدرسة شيخه أبي بكر محمد بن فورك. ومدرسة شيخه أبي إسحاق الإسفراييني.
هـ- رحلاته العِلميَّة: لم يذكر لنا المؤرخون شيئًا عن رحلات الإمام الثعلبي. والثعلبي رحمه الله الجاد المجد المثابر في طلب العلم، والذي تلقى العلم عمَّا يقارب ثلاثمائة شيخ، يبعد ألا يرحل إلى العلماء حيث يوجدون. لكننا لا نستطيع أن نقطع بأنه رحمه الله قد رحل لعدة أسباب:
الأول: أن غالب شيوخه نيسابوريون، أو مَّمن قدم نيسابور.
الثاني: أنَّ الرحلة لم تُذكر عنه رحمه الله عند من ترجم له.
الثالث: أنَّ غياب مؤلفاته الضخمة التي تبلغ أكثر من خمسمائة جزء، يجعل ذلك الأمر بالنسبة إلينا مجهولًا.
الرابع: أنَّ الواقع لا يحيل عدم الرحلة، ذلك لأن خراسان، وخاصة ((نيسابور)) كانت مجمعًا للعلم والعلماء. حتى إنَّ الرحلة في ذلك الوقت كانت إليها.
الخامس: أنَّي لم أجد حسب بحثي في تفسيره ما يدل على ذلك وإنَّما الذي وجدته هو أنَّ أبا إسحاق رحل خارج نيسابور، ولكن هذه الرحلة لم تتجاوز منطقته خراسان.
حيث رحل رحمه الله إلى ((الطابران)) وهي قرية من قرى ((طوس)) في خراسان، بينها وبين نيسابور عشرة فراسخ سمع فيها من شيخه أبي الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد الطبراني بها.
ورحل كذلك إلى ((درب الحاجب)) حيث سمع فيها شيخه يعقوب العروضي.